قصص

قصه حارة دكرور ( كامله)

لا اجد مسمى لما يحدث سوى “الهدوء الذي يسبق العاصفة”
قتيل ملقى على الارض يلتقط انفاسه الاخيرة، جرح قطعي بجانب الرقبة، دماء تتدفق بغزارة جعلت منها وسادة تحت رأسه، وفي ذات التوقت يستمر ما يحدث عند مدخل الحارة، هرج وصرخات وتهافت على شئ ما.
ـ بقولك ايه.. اقفل اللاب توب ده، مش عاوز اسمع حاجة، احنا لسه بنقول يا هادي وفي اول اليوم قتيل ودم وقرف، اقفل يا عم الله يكرمك.
ـ اصبر بس.. اسمع باقي المقال، ده الصحفي اللي كاتبه شارح تفاصيل عن المكان اللي حصلت فيه الجريمة بطريقة هايلة.
…………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………..
في اللحظة اللي داير فيها الحوار جوه اكبر مكتب للأستشارات القانونية الخاص بالمحامي المعروف “رفيق رزق الله”، كان واقف على مدخل المبنى اللي فيه المكتب شاب في نهاية العشرينات، كان في حالة غريبة، او بالتحديد في مجموعة حالات ملخبطين على بعض، قلق ممكن، او خوف من مجهول، ممكن برضه، بس الاكيد انه في حالة من التردد الرهيب، وده ببساطة خلاه يطلع اول درجة وبعدها ينزلها مرة تانيه، كل شوية يبص بتفحص في هيئته وهو مشمئز، مع انه لابس بدلة ممكن نقول عليها معقولة، بس بالنسباله مش معقولة ابدا ومتهالكة بالنسبة لأي حد بيشوفه، واللي زود اشمئزازه لما قرب عند الاسانسير وشاف اللي داخلين واللي خارجين منه، كانوا لابسين براندات وبدل من احدث الموديلات، وقتها رجع يبص لنفسه ويقول بتريقة:
“ايه جابك يا صعلوك بين الملوك!!”
انتبه لما لقى بواب المبنى الضخم ومعاه فرد الأمن جايين ناحيته، طار برجليه على السلم بسرعة رهيبة لحد ما وصل الدور الاول ووقف،وقف قصاد باب من الازاز اللي بيقولوا عليه فرز اول، بينور في الضلمة، او هو شايفه كده.. فتحه بحرص شديد بنفس احساس التوتر والتردد ودخل.. بص حواليه، اتملكه الاندهاش، كان في عدد كبير من الشباب بكامل اناقتهم، تقريبا في نفس عمره، كانوا قاعدين على مكاتب قريبة من بعضها والفاصل بينهم حاجز بسيط، قصاد كل واحد منهم لاب توب، زانقين الشغل في كورونر وهاتك ياتدقيق وتركيز، فضل واقف مكانه لثواني وهو بيلف بعيون زايغة، مش عارف يبدأ منين او يروح فين، في اللحظة دي وصل لودانه صوت قريب لأتنين بيتكلموا، واحد منهم كان بيبص في اللاب توب اللي قصاده وبيقول “هرج وصرخات بتهافت على شئ ما”
قاطع كلامه زميله اللي كان باصص عليه بجزء من راسه وقال:
ـ ما قولتلك كفاية مش عاوز اسمع ولا اعرف حاجة، بلا شئ ما بلا بتاع.. خلينا نشوف الشغل اللي ورانا.
ـ استنى بس اكملك باقي المقال، وبعدين ياعم الفالح، المقال ده هو اساس اللي ورانا.
رد عليه باندهاش من اللي بيقوله مع عدم فهم:
ـ تقصد ايه؟.. انا لسه ماشربتش قهوة ومخي فاصل.
رد عليه وهو بيقفل اللاب توب على المقال اللي قصاده:
ـ معقول ماعرفتش اللي ناوي يعمله استاذ رفيق!!.. ده الموضوع انتشر ووصل عند كل المحامين تقريبا، لا وكل اللي وصلهم الخبر حاطين ايدهم على قلبهم، خايفين لا يرسى عليهم الحوار ويلبسوا في كارثة.
كل اللي بيشتغلوا تحت اسم مؤسسة “رفيق رزق الله المحامي”.. عارفين دماغه السم في امور المحاماة، يبيع ابوه واللي خلفوه عشان ينجح ويفضل اسمه يدق زي الطبل وسط رجال الاعمال، ده غير السيولة والفلوس اللي تتجاب من اي حتة، بس الحوار المرة دي كان مختلف خالص.. قبل ما يتكلم المحامي ويشرح لزميله عن الكارثة اللي بيتكلم عنها، لمح بطرف عينه الشاب اللي واقف متسمر ورا الباب، واللي لفت انتباهه اكتر تركيزه الشديد معاهم ومع كلامهم، بالبلدي كده كان بيتصنت عليهم.. قاطع ودانه وراميها عندهم، هز راسه بغمزة لزميله عشان يبص وراه، هز التاني راسه بعدم فهم، فكرر نفس الحركة.. وقتها انتبه لقصده من اللي بيعمله، فلف راسه وراه وشاف الشاب اللي واقف، وقفته واضحه له ولغيره، وقفة واحد بتقول انه محتاس حوسة عيل تايه في مولد، الشاب اللي بص حب ينقذه او على الاقل يفهم حكايته، رفع كف ايده وشاورله عشان يقرب منهم.
شاف الشاب الايد المرفوعة اللي بتشاورله بس ماكنش متوقع انه المقصود، ده خلاه يتوتر ويبص حواليه من باب التأكد ان هو المقصود، شاور بأيده على نفسه مع هزة راسه وهو بيحرك شفايفه “تقصدني انا؟”..
رجع المحامي اللي قاعد على مكتبه يشاورله لتاني او تالت مرة، قرب منهم بتردد وقلق بان تأثيرهم بحبات عرق على جبهته، وده على الرغم من ان الجو في المكان نسماته ترد الروح، وبمجرد ما وصل عندهم اتكلم المحامي وقاله:
ـ حضرتك واقف بقالك شوية ما بتتحركش من مكانك، ليك قضية في المكتب او طلب معين؟
رد عليه الشاب بقلة ثقة ملحوظة:
ـ لا لا.. ماليش قضايا ولا غيره، انا انا.
وسكت، كأنه بلع لسانه، بصوا الشباب اللي كانوا ع المكتب لبعض وهم مستغربين حاله، وفي نفس الوقت منتظرينه يكمل، ولما صمته طال واحد منهم قاله بتشجيع:
ـ ما تكمل.. انت ايه؟
رد وهو بيعدل شنطته الكروس اللي متعلقه في رقبته:
ـ انا “حامد عبدالحميد”.. اتعينت في المكتب جديد.
اتنهدوا وقال واحد منهم بابتسامة:
ـ يعني زميل مهنة وكمان زميل مكتب، اومال مالك طيب، زانق نفسك ومتخشب مكانك كده ليه، انطلق.. عيش وتعايش عشان تعرف مكتبك فين.
قطع كلامه زميله بحاجة مهمه جت في دماغه، وبسببها سأل “حامد” سؤال غريب ولكن مهم بالنسباله:
ـ انت من سكان المحافظة هنا، اقصد يعني انت من سكان “الجيزة”؟
هز “حامد” راسه بالنفي:
ـ انا من قرية صغيره تابعة لمحافظة وجه بحري، كنت بشتغل على قدي بس لقيت الحوار مش جايب همه، ومن شهر او اكتر شوية، قريت اعلان يخص المكتب، كان مطلوب محاميين شباب سبق لهم ممارسة المهنه، فقدمت، لكن انا ماكنتش متوقع ان اتقبل صراحة، بس النصيب، الحمد لله.
رد الشاب التاني بنبرة فيها تريقة:
ـ يستاهل الحمد يا “حامد يا ابو عبد الحميد”، مش برضه بتقولوها كده وانتوا قاعدين في سهراية الغيط؟
فهم زميله المغزى ورا تريقته، “حامد” شاب بسيط، جاي من مكان اهله عايشين بفطرتهم، لسه ما وصلش عندهم التلوث السمعي والبصري اللي محاوط المدينة، وبسبب التريقة، برقله عينه عشان يسكت، فسكت، بعدها رجع اتكلم مع “حامد” وهو بيشاورله على مكتب جانبي:
ـ ده مكتب خاص بالشئون الادارية وفايلات المحامين، القديم منهم والجديد، اتمشى كده ناحيته هتلاقي الموظفين المختصين، هم اللي هيفهموك الليلة كلها ماشية ازاي.
ظهرت على ملامح “حامد” ابتسامة اتجبرت جبر انها تترسم على وشه، ما هو القلق عنده وصل لأقصى درجة وضرب الدم في نافوخه، بس نفذ اللي قاله عليه زميله اللي كان بيبصله بتفحص من فوق لتحت، وبعد ما مشي “حامد” من قصادهم، بصوا لبعض واتكلم اللي كان متابع “حامد” بنظراته:
ـ اهو ده بقى كبش فدا، الخروف اللي هيترمي وسط مزرعة مليانه بكلاب سعرانه مابتشوفش قصادها غير حتة اللحمة، يا عيني عليك يا “حامد يا ابو عبد الحميد” دول هيقرقشوك ويمصمصوا عضمك.
قطع لحظة الاندماج اللي كان فيها زميله وهو بيخبط على المكتب:
ـ ايه يا حضرة المحامي المندمج، انت بتقول ايه؟.. مش فاهم منك حاجة.
شوح بأيده وقاله:
ـ هو انت اصلا فاهم الحوار من اوله، لما هتفهم دلوقتي اللي بقوله؟.. اقطع دراعي ان ما كان “محامي القرية” ده اتقبل هنا، عشان يحدفوه هناك، اومال ايه اللي هيخلي المكتب يقبل واحد زي ده وبهيئته دي، اه، هم قبلوه عشان هدف معين، اكيد هو ده السبب، مافيش غيره.
ولسه زميله هيرد عليه، حرك العجل بتاع الكرسي اللي قاعد عليه وراح قعد جنبه، قرب منه وقاله بصوت واطي:
ـ تعالى بقى افهمك الحكاية واعرفك “رزق الله” ناوي على ايه.
……………………………………………………………………………………………………………………………………………
في المكتب الجانبي الخاص بالشئون الادارية لمكتب “رزق الله المحامي” كان قاعد “حامد” قصاد راجل اربعيني ما يقلش وجاهة عن اللي شافهم بره، خرج مجموعة اوراق وحطها قصاده، وبأبتسامه مجاملة اداله قلم وهو بيقوله:
ـ فايلات المحامين بتتسجل على الكمبيوتر، بس انا راجل بحب الشغل الورقي وبعتبره اساس اي مؤسسة، طبع رخم، مش عارف اغيره، اتفضل يا استاذ حامد، امضي على قرار تعيينك واستلام المكتب الخاص بيك لوحدك.
فرح “حامد” وقاله بشغف وتعجب:
ـ لوحدي!!.. انا مش هستلم شغلي في المبنى هنا؟
ابتسم الاداري وقاله:
ـ ما انا لسه مفهمك، اومال كنت بشرح في ايه من شوية!.. حضرتك اشتغلت في المجموعة، بس المجموعة ضخمة وليها اكتر من فرع، انت بقى اتوزع شغلك على فرع من الفروع دي.
مسك “حامد” الورق ورجع يقراه تاني، او بالتحديد كان بيدور على حاجة معينة تخص عنوان المكتب اللي هيشتغل فيه، ووصله.. ومع وصوله فضلت عينه متثبته للحظات بتركيز دام لاكتر من دقيقة، بعدها اتكلم وقال للراجل بتعجب:
ـ حارة دكرور!!.. ده اسم ولا شارع ولا فين اصلا ده؟
اتنحنح الموظف الاداري، واضح انه كان بيدور في عقله على حاجة وبيحاول يداريها، عدل الكرافتة بتاعة بدلته وبعدها قاله:
ـ دي حارة في منطقة شعبية مشهورة جدا، انت ماتعرفهاش؟
هز “حامد” راسه شمال ويمين:
ـ لا ما اعرفهاش.
رد الموظف بهمس مع نفسه، مسموع الى حد ما:
ـ والله ولا انا.
ـ نعم، حضرتك بتقول حاجة؟
ـ لا لا، بقول ايه بس.. اسمعني كويس، المدينة هنا كبيرة جدا، واستاذ “رزق الله” بيحب تكون ايده فوق كل حتة و طايلة كل شبر في اي منطقة، والمحامي الشاطر، وخاصة الجديد، يثبت كفاءته وجدارته في العمل عشان يوصل للي هو عاوزه ويحقق شهرة ما بعدها شهرة، يعني مال، نفوذ، بين رجال الاعمال، فااهم قصدي يا استاذ “حامد”؟
هز راسه اللي سرحت في احلام الشهرة، عربيات اخر موديل، فلوس ماتتعدش جوه اكبر البنوك، واهم حاجة، البدل الشياكة اللي متعطرة ببرفيوم فرنسي من الاخر، من وجهة نظرة مافيش مقارنة بينه وبين حياته في الريف، مع الزوجة البسيطة اللي حكم عليه ابوه انه يتجوزها، وده تحت مسمى انها بنت عمك وولى بيك… فاق من السرحة وهو منشرح الصدر، ماكنش فاهم ولا عارف اللي مستنيه، مسك القلم ومع ابتسامة مضى باسمه وثيقة استلام شغله في اكبر مكاتب المحاماة في الجمهورية.. وقتها افتكر كده انه خلاص، حط رجله على اول سلم المجد، للاسف، ماكنش فاهم ان المجد هيوقعه على جدور رقبته.
خرج من المكتب بعد ما حفظ العنوان، وقبل خروجه.. نده على زميله اللي اتكلم معاه من شوية، حكاله اللي حصل ومكان مقر شغله، ضيق زميله عينه بمكر وخبطه على دراعه بهزار وقاله:
ـ انت كده تمام وزي الفل، على البركة يا “حامد”، ربنا معاك ويعينك.
استغرب “حامد” من طريقة زميله، بس قال اكيد دي طريقته اللي بيبارك بيها وكبر دماغه، بس اللي زود اندهاشه انه لمح لحظة خروجه من الباب، زميله وهو قاعد على الكرسي بتاعه وبيضرب كفه بكف.. وقتها صاحبه اللي قصاده قاله:
ـ يا ابني اسمع مني وماتراجعش ورايا، قولتلك كبش فدا.. انا كسبت الرهان، يلا بسرعة، اطلبلي وجبة “ماك” بس السايز الكبير.
وبعدها اتفتحوا في الضحك.
…………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………..
كمل “حامد” طريقه بعدم فهم لحد ما خرج بره المبنى، وقصاده، وقف يشاور لتاكسي يوصله، بس بمجرد ما كان يسمع سواق التاكسي المكان اللي عاوز يروحله حامد، كان يتكهرب وحواجبه تتعقد ويرفض انه يوصله.. كان مستغرب حامد من اللي بيحصل والرفض المبالغ فيه من السواقين لحد ما وقف قصاده واحد، سواق كبير في السن، بيزق في الدنيا اللي واضح انها مرمطته ايام شبابه، وكالعادة، كرر “حامد” طلبه، في البداية السواق اتردد، بس في الاخر هز راسه وقاله:
ـ موافق يا ابني.. بس بشرط.
استغرب “حامد”، شرط ايه اللي هيقوله سواق اوله واخره توصيلة واجره!.. ومع ذلك هز راسه بالموافقة، مادام هيطول مراده وهيوصله.. ماشي، وبعد هزة راس حامد، كمل السواق كلامه:
ـ هوصلك على ناصية “حارة دكرور” وانت تدخل وتكمل لجوه، موافق يا ابني ع البركة، مش موافق، يبقى كل واحد ينام ع الجنب اللي يريحه.
وافق “حامد” على طلبه مضطر طبعا، والمضطر مجبر انه يركب مع سواق ماشي في طريقه بشروط ولازم تتنفذ، ركب “حامد” جنب السواق اللي كان على وضع الصامت، مانطقش بحرف من وقت ما طلع بالعربيه، كل اللي عمله انه شغل اغنية لام كلثوم وقعد يدندن معاها.
ابتسم “حامد” وهو بيهز راسه بتعجب، يعني راجل معدي السبعين تقريبا ولسه مزاجه عالي ومتكلف، اندمج مع الاغنية لحد ما انتبه ان الارض من تحته بدأت تتغير، ما اقصدش بتتبدل.. اقصد ان الارض بقت مش متساوية، مليانة حُفر كتير ومطبات اكتر، العربية من زيادة المطبات كأنها بترقص، لاحظ عليه السواق هزة جسمه والكام خبطة اللي خدهم، مد ايده ووطى صوت الاغنية وقاله:
ـ معلش يا ابني، الطريق هنا مش متظبط، وع العموم، احنا خلاص وصلنا.
ومع نهاية جملته بكلمة “وصلنا”، رفع حامد دراعه وكتم مناخيره، عمل كده بعد ما شم ريحة مش فاهم اساسها، ريحة لا مؤاخذة زباله اتنست مكانها فقلبت المكان لعفونة، بص من شباك التاكسي وعرف مصدر الريحة، مقلب زبالة اشبه بالشكل الهرمي وعليه مجموعة من الكلاب الضالة، لا.. ومش كده وبس، ده لمح جنب الكلاب، مخلوقات اختلط لون هدومهم بلون الزبالة المتكومة، لدرجة ان اي حد يلمح المنظر لازم يركز، لازم يدقق عشان يعرف يفرق ويفصل بينهم وبين الحاجات المرمية، اصواتهم كانت عالية وواضح انهم بيتخانقوا، ووسط خناقتهم واحد منهم كان بيقول:
ـ هقطع وشك يا “حبيشة” لو مادتنيش الشوال.
السواق كان ماشي ببطء شديد، كأنه قاصد يوريه هو داخل على ايه، حاجة كده شبه مشهد سلو موشن، حط النقط على الحروف قصاد “حامد”.. وده خلاه بعد ما شاف اللي شافه، سمع اللي ماكنش يتوقع يسمعه، بعد كلام الأولاني، رد عليه الراجل التاني او المدعو “حبيشه” وهو بيخرج من حنجرته صوت، صوت متعارف عليه بين الشباب، لكن غريب بالنسبة لشاب زي حامد.. شاب ابن الريف:
ـ هتقطع وش مين يالا يا ابن ال…، ده انا هعمل فيك زي ما اتعمل في الواد “ميزا”.
واستمر الجدال والخناق بأبشع الالفاظ بين “حبيشه” والراجل التاني، مع وجود “ميزا” الحاضر الغائب، لحد ما اتكلم السواق وقاله:
ـ اتفضل يا ابني.. انزل.
لف “حامد” وشه ناحية السواق اللي كان رافع ايده وبيشاور على فتحة ضيقة وبيكمل كلامه:
ـ الفتحة دي مدخل الحارة، ادخل فيها وهتلاقي الف ميزا والف حبيشة يدلوك على رقم البيت اللي هتسكنه.
رد حامد وهو بيمسح عرقه:
ـ حضرتك الحكاية مش كده، ده عنوان مكتب محاماة هشتغل فيه، وجواه اوضة صغيره المفروض هسكن فيها.
هز راسه بلا مبالاة وقاله:
ـ مش مهم.. مش فارقلي هتعمل في ايه، المهم ان وصلتك.. ربنا معاك يا ابني.
ابتسم “حامد” وهو بيخرج من شنطته المبلغ المتفق عليه، بعدها فتح باب العربية ونزل، بس قبل ما يميل عشان يشكر السواق، داس الراجل فرامل وبدأ يرجع لورا بسرعة ملفته وغريبة، كأنه بيهرب من المكان كله.. وقبل ما يلف بجسمه، رمى نظره ناحية مقلب الزبالة، بعدها بص في ساعته لما انتبه ان الشمس بدأت تختفي، كانت الساعة 7 ونص.. كبر دماغه من الخناقة اللي وصلت لمد الايد وتقطيع اللي اتبقى من هدومهم، وقال مع نفسه بسخرية:
ـ تبقى مصيبة لا الشوال اللي بيتخانقوا عليه جواه “ميزا” نفسه.
ابتسم على الجو الغريب اللي وقع فيه، بس عقله كان بيهديه بجملة “طريق النجاح اوله حبيشه”.. لف بجسمه ناحية مدخل الحارة اللي يادوب عرضها يدخل “توكتوك”، ومشي ناحيتها.. كان في عيال بتلعب وقصادهم ستات قاعدين في مدخل البيوت، كل ما يعدي على بيت او عمارة العيون تتلفت عليه بتركيز، شويه وبدأ الهمس ما بينهم، كان واضح انه يخصه، ووسط الهمس، انتبه ان في زاويه وقبل نص الشارع، مصطبة عريضة، جنبها كام كرسي قاعدين عليهم رجاله شكلهم غريب، غرابتهم كانت في ملامح الجمود لحظة ما شافوا “حامد” ماشي ومكمل لجوه الحارة، شاور راجل من اللي كانوا قاعدين لشاب في اول العشرينات بالشيشة اللي كانت في بوقه، وبعد ما شاورله.. راح الشاب ناحيته وميل بالقرب منه، لمح “حامد” ان الراجل بيشاور عليه، قلق وخاف، فمد خطوته، بس كانت خطوة الشاب اسرع، ولانه كان اسرع، قرب منه وقاله بطريقة كلام غريبه:
ـ انت رايح فين يا باشا؟.. قرب كده بخطوتك الجميله معايا.
بلع “حامد” ريقه اللي كان جف من حلقه وقاله بتوتر:
ـ هروح معاك على فين؟
حط الشاب دراعه في دراع “حامد” وسحبه ناحية الراجل اللي كانت في بوقه الشيشه، بص ناحيته بنص عين لحد ما وقف قصاده، ارتبك “حامد” من النظرات اللي كانت متوجهه ناحيته، بدل العين الواحدة عشره، شال الراجل الشيشة من بوقه وقاله:
ـ عاوز اشوف صورتك وجمال طلتك.
مخ “حامد” وقف عند الجملة اللي اتقالت، كان بيحاول يفنطها ويغربلها عشان يفهم معناها، ما هو لو على شكله، هو كله واقف قصاده، وده المعنى الوحيد اللي وصل “لحامد” الشاب البسيط، وللسبب ده رد على كلام الراجل وقاله:
ـ ما انا قصادك اهو، حضرتك مش شايفني؟
واتفتحوا القاعدين في ضحك بطريقة مش مريحة، او على الاقل سربت القلق لقلب “حامد” وفهم منها ان في حاجة غلط بتحصل او هتحصل، وبعد ما خلصوا ضحك، رجع الراجل وقاله:
ـ اهو حضرتك دي ما سمعتهاش من زمن، من وقت ما الحكومة عتبت الحارة عشان المعلم “حرباية”.
قاطعه واحد من اللي كانوا قاعدين واتكلم بتريقة:
ـ عمنا يقصد هويتك، بطاقتك الكريمة عدم اللامؤاخذة.
في اللحظة دي انعدمت رفاهية القبول او الرفض عند “حامد”، وبدون ما يدي لعقله اي اوردر للتفكير، خرج من شنطته بطاقته الشخصية واداها للراجل في ايده، خدها منه وفضل يقلب فيها شمال ويمين وعلى وشه جمود ولا مبالاة، بعدها اتكلم بسخرية اتوجهت لحامد:
ـ ده انت كوتوموتو حتى في بطاقتك، لا وايه…
سكت وبص حواليه للرجالة اللي كانوا محاوطينه، وبعد بصته رفع بطاقة “حامد” لفوق وهو بيضحك:
ـ الاستاذ ده يا رجالة، محامي قد الدنيا وله نفع برضك وسكة معانا للحكومة.
رجع لف وشه لحامد وهو بيديله بطاقته:
ـ بس ما تعتمدش كلامي يا استاذ، الناس الحلوة دي، على راسهم العبد لله، ريس وحكومة، اه، الحارة دي مش متسابة كده.
الكلام موضح نفسه ويقول للغبي افهم، وحامد ماكنش غبي، هو صحيح على فطرته وبطيبته اللي لسه بخيرها، بس الحكاية لما اتربطت مع بعضها فهم انه اترمى هنا عشان يلم شغل للمجموعة، ومش من اي حد.. من مخلوقات عايشه حياتها بين البلطجة وبين اقسام الشرطة، او ده اللي فهمه لان ماخفي كان اعظم.
المهم انه بعد ما خد بطاقته ولسه هيحطها في الشنطة، سمع صرخات عاليه من الستات اللي كانوا قاعدين، ولسه بيلتفت بجسمه عشان يعرف في ايه، كانت التفاتة موت بالمعنى الحرفي، وده لان لولا حدف نفسه كام خطوة لقدام، كان التوتوك اللي بيجري بسرعة البرق هيشيله من مكانه، طيارة ماشية على الارض ووراه موتوسيكل عليه اتنين رجاله شبه المصارعين، اتكلم واحد من اللي قاعدين وقاله:
ـ ده الواد “شمه” من رجالة “حرباية”.. شكل كده امين الشرطة اللي بيقف ع الناصية وصاحبه قاطرينه.
ضحك واحد من اللي قاعدين ورد عليه:
ـ وحياة المرحومة امك!!.. اسلك، ما احنا عارفين ان انت اللي بلغت عنه امين الشرطة.
رد كبيرهم اللي اتعرف اسمه من الكلام “بعاطف” وهو بيضحك:
ـ احسن، خير ما عملت، يلا عشان نرتاح من رجالته ع الاخر.
سكت وبص لواحد قاعد جنبه وسأله:
ـ الساعة كام معاك؟
ـ ربعايه يا عم عاطف وكل حاجة تكون في التمام.
هز راسه وبعدها بص لحامد وقاله بسخريه:
ـ هو انت لسه واقف مكانك، ايه، لسه مبرق، ما تتكل على الله وشوف سكتك فين.
اتنفض حامد واتهز جسمه من الصدمات اللي عمل ياخدها، بس للأسف مافيش فرصة للتراجع، على الاقل دلوقتي، رجع لورا كام خطوة وهو بيوزع نظراته على الرجالة اللي قاعده، بعدها لف بجسمه عشان يشوف رقم البيت اللي فيه السكن او المكتب، في اللحظة دي ماكنش فارق معاه، تفكيره كان مركز في نقطة امان، اربع حيطان يتاوى ما بينهم عشان يهدي اعصابه وياخد القرار المناسب في المصيبة اللي وقع فيها، وحصل.. بس قبلها وصل قصاد محل صغير بيبع تسالي وحاجات خفيفة للأكل، قصاد المحل كان في كرسي قاعد عليه راجل كبير، قرب منه بحذر وتردد ورمى السلام، ومن بعده سأله على رقم البيت اللي بيدور عليه، رفع الراجل عينه وبص له بتركيز:
ـ ومين يا ابني اداك العنوان ده؟
اتنهد “حامد” بضيق وحس انه وقع في متاهة اسئلة مالهاش اخر، بس مضطر يحكي اللي عنده عشان يوصل لمراده، فحكى.. وبعد ما خلص كلامه هز الراجل راسه واترسم على وشه نوع من الحزن او الشفقة، بعد كده رفع ايده اللي كانت بتتهز هزات خفيفة ناحية بيت قصاد المحل، بالظبط عند بيت قديم من 4 ادوار:
ـ هو ده البيت يا ابني، البيت فاضي، مافيش حد ساكنه، والشقة الوحيدة المفروشة في الدور الرابع، تقريبا هي دي طلبك.
سكت للحظات وهو بيفكر في حاجة، بعدها اتكلم وقاله:
ـ اي حاجة تلزمك انده وقول يا عم “عبدالسلام”، هرد عليك فوري، وخدها نصيحة مني عشان دنيتك تمشي، اقفل عليك بابك كويس، الحارة زي ما شوفت، مليانه لبش وما تستبعدش تلاقيهم على راسك، خصوصا بعد ما الشمس تغيب والضلمة تحل.
كلام الحج “عبدالسلام” كان سلاح بحدين، من ناحية اطمن ان في بقعة ضوء ظهرتله وسط الضلمة اللي وقع فيها، او اقصد يعني الراجل العجوز ده، بس جملته اللي قالها برضه كانت كفاية انها تزرع جواه حالة رعب من مجهول هو مش فاهم ممكن يجيله منين، وعلى ذكر كلمة الضلمة اللي خطرت في باله بين افكاره الكتير، سمع خطوات واحد جاي يجري بسرعة رهيبه وهو بيصرخ بصوت عالي:
ـ دقايق واللي عاوز حاجة نصبة المعلم “حماصة” هتتنصب، واللي هنلمحه من ريحة “حرباية” يترحم على عمره.. نوروا الكشافات والمره اللي عندها شمع تولعه.
“حامد” ماكنش فاهم اي حاجة من اللي بتتقال او حتى من اللي بتحصل حواليه، فضل مركز لثواني مع الشاب اللي بيكرر كلامه، وفعلا.. بص حواليه لقي الستات جوه البيوت بدأوا يخرجوا كشافات على حافة البلكونات، واللي معاها شمعه برضه حطتها، ده غير اصوات شبابيك اللي بتتقفل بقوة، كانت بتتقفل قفلة حد خايف من حاجة.. رجع “حامد” لف وشه ناحية الحج “عبدالسلام” وسأله باستغراب:
ـ هو في ايه؟.. انا مش فاهم حاجة.
رد عليه الراجل بنبرة فيها عصبية:
ـ انت لسه واقف مكانك!؟.. ما تروح يا ابني مكان ما انت رايح، مالكش دعوة بحاجة، خليك في حالك.
اتوتر “حامد” من طريقة الراجل اللي ماكنش فاهم سببها، بس خلاص، هو ماعندوش اختيارات او بدايل غير ان يسمع كلامه، وبدون ما يرد او يسأل، لف وشه ناحية البيت ودخله.. طلع على السلم اللي كان مهلوك، كل دور فيه شقة وقصادها طرقة صغيرة، وبعد ما طلع السلم، وصل للدور الرابع، وقف قصاد الشقة واحتاس اكتر ما هو محتاس، فضل للحظات يفكر هيعمل ايه لحد ما افتكر المفاتيح اللي ادهاله موظف المجموعة، خرجها من شنطته وحط مفتاح منهم في الباب وفتحه.
الشقة كانت ضلمة، والاهم الريحة اللي قابلته بمجرد ما دخل، كانت ريحة دخان سجاير.. استغرب للحظات وهو بيسأل نفسه، الريحة دي جايه منين، ما هو الموظف قال ان الشقة مقفولة من فترة طويلة، بس ابتسم بتريقة على حاله وقال في نفسه “يعني هي جت على دي، اخلص يا عم حامد”.
فضل يتحسس لثواني على مكان فيشة الكهربا، بس الغريب اعمى ولو كان بصير، ماكنش عارف يوصلها.. وقت ما كان بيحسس بكف ايده ع الحيطة، كانت لسه ريحة الدخان موجوده وكانت بتزيد، لا والاغرب بقى، واللي وقفه مكانه، انه لمح على مسافة قريبه منه شعلة سيجارة بتتحرق، واضح ان في حد موجود في الشقة ومولع سيجارة، فضل لثواني يفرك في عينه عشان يتأكد، وعلى ما فتح عينه ماكنش في حاجة، بس الاهم انه وصل اخيرا للفيشة ونور لمبة الصالة.
بص حواليه عشان يطمن، لقي الدنيا تمام.. هي صحيح ماكانتش تمام اوي، بس اهو حاجة تأدي غرض مكتب محامي في حارة زي دي، لف بعينه على كل ركن لحد ما وصل لأوضة جانبيه ظاهر منها حافة سرير، واضح انها الاوضة اللي هينام فيها، نزل الشنطة الصغيرة اللي فيها هدومه ع الارض وراح ناحية اقرب كرسي ورمى نفسه عليه، ويادوب، لسه بيتنهد بنفس عميق عشان يزيح بيه توتر الدقايق اللي فاتت، الكهربا فصلت!
حارة دكرور
٢
بص حواليه عشان يطمن، لقي الدنيا تمام.. هي صحيح ماكانتش تمام اوي، بس اهو حاجة تأدي غرض مكتب محامي في حارة زي دي، لف بعينه على كل ركن لحد ما وصل لأوضة جانبيه ظاهر منها حافة سرير، واضح انها الاوضة اللي هينام فيها، نزل الشنطة الصغيرة اللي فيها هدومه ع الارض وراح ناحية اقرب كرسي ورمى نفسه عليه، ويادوب، لسه بيتنهد بنفس عميق عشان يزيح بيه توتر الدقايق اللي فاتت، الكهربا فصلت!
اتوتر وحس انه شخص منحوس، لكن في اللحظة دي سمع هيصة ودوشة غريبة جاي من بره، بالتحديد من الحارة.. كل اللي جه في باله ان في خناقة مش بسيطة، نور كشاف موبايله وراح ناحية البلكونة، وقف عند السور وهو بيدور على مصدر الاصوات العالية، بس ماخدش لحظات ووصل.. بص عند الزاوية اللي كان قاعد فيها الرجالة اللي ثبتوه، عدد كبير من الشباب والرجالة بيتهافتوا على شرا حاجة، فلوس بتخرج من جيوبهم تحت ضوء خفيف من الكشافات، والشباب اللي ثبتوه بياخدوا منهم الفلوس وهم بيزعقوا فيهم باقبح الالفاظ.. وطبعا السؤال اللي جه في باله وقتها.. “هو في ايه؟”.
لقط من الكلام اللي بيتقال، واحد بيزعق:
ـ انا اديتك الفلوس، هات حاجتي، يلا خليني امشي.
رد عليه شاب من اللي واقفين في الزاوية:
ـ انت يا ابن الكلب مش خدت الحاجة، هو انت مفكرني داقق عصافير، وحياة امك لاوريك، ووقتي.
ادا الشاب اللي كان بيتكلم الكيس اللي كان في ايده لواحد كان واقف جنبه، وبسرعة بص له وقاله:
ـ حاجتي امانه معاك لفنتو ثانية، هربي ابن الكلب اللي بيستغفلني ده.
الكيس كان جواه شرايط حبوب برشام، واكياس تانية صغيره فيها مادة بيضا، الكلام مفسر نفسه والحقيقة وضحت قصاد “حامد” وقصادكم.. دي نصبة لبيع المخدرات عيانا بيانا في الشارع، وطبعا تحت ضلمة قطع الكهربا لمدة ساعة، المهم.. نزل الشاب عند الراجل ومسكه من ياقة التيشرت بتاعه، وبزعيق قاله وهو بيناوله بالقلم على وشه:
ـ انت يا وسخ تختمني على قفايا!.. انا هعرفك قيمتك اللي مش موجوده من اصله.
وناوله القلم التاني، الراجل من هزلان جسمه كان بيتنفض، بس مع تأثير غياب المخدرات اللي كان لسه ماخدهاش عشان يعدل دماغه، خرج منه كلمه كانت القاضية، وده لما قال للشاب اللي بيضربه:
ـ انتوا يا رجالة “حماصة” حرامية زي اللي كان مشغلكم، انما “حرباية” ورجالته، كانوا انضف منكوا.
وبس.. سمع الشاب الجملة دي واللي قصاده يوسع، صرخ بأعلى صوته وقاله:
ـ يا “عاطف” واحد في ايدي من اتباع “حرباية”.
من بعد الجملة دي حوار الراجل خلص، وده بعد ما قام المدعو “عاطف” من على الكرسي اللي كان قاعد عليه وشمر اكمام قميصه وهو بيرد عليه :
ـ وماله، ده كيفي، كرسي في الكلوب وخدلك سكه، واضرب تحت الحزام.
وفي لحظات الحارة اتقلبت، ما بقاش فاهم “حامد” مين اللي بيشتري من نصبة المخدرات، ومين اللي بيضرب في مين، خناقة كبيرة واصوات كراسي بتتكسر وبتطير في الهوا، ووسط ده كله.. شاف اللي اسمه “عاطف” بيجر واحد من رجله مش باينله ملامحه من كتر الدم اللي مغرق وشه، ركن بيه على جنب وهو بيقول بصوت عالي لشاب قريب منه:
ـ ارمي الكلب ده في اي حتة على جنب لحد ما دمه يتصفى.
وقتها جه في بال حامد انه يتصل بالشرطة، وفعلا.. دخل بضهره لورا وهو ماسك موبايله وبيحاول يفتكر نمرة الشرطة، وقبل ما يدوس اتصال.. سمع حد من وراه بيقوله بصوت خشن ومبحوح:
ـ اوعى يخطر على بالك.
جسمه اتنفض ولف وراه بحركة سريعة وهو بيدور على اللي كان بيتكلم، كان في واحد قاعد على الكرسي وماسك علبة كبريت وبيولع سيجارة، اترعب وافتكر جملة التحذير اللي قالهاله الحج “عبدالسلام”..
“اقفل بابك عشان دول ممكن تلاقيهم فوق راسك”.
بص ناحية الباب وقبل ما يتكلم، اتكلم الراجل وهو بينفخ دخان سيجارته:
ـ دخلت من الباب، ما انت كنت سايبه مفتوح.
اتنحنح “حامد” بخوف وقاله:
ـ اننننت مين؟
ـ انا المعلم”حربايه”.. “فتحي حرباية”.
افتكر “حامد” الاسم اللي اتقال قصاده بدل المرة عشرة او يمكن اكتر، وده مالوش الا معنى واحد، ان عمره خلص دلوقتي.. بس الغريب ان الراجل كان قاعد مكانه بثبات تام، لا اتحرك من مكانه ولا هاج زي التيران اللي بيضربوا في بعض في الحارة، وقتها حامد فضل ياخد ويدي مع نفسه لثواني لحد ما قطع سرحانه “حربايه” وهو بيخبط بكف ايده على الكرسي اللي قصاده:
ـ تعالي يا سي الاستاذ، اقعد هنا، هتفضل واقف مكانك!.. حتى مايصحش.
اتردد “حامد” انه يعمل كده، بس كالعادة، سمع الكلام، حرك رجله بصعوبة لحد ما وصل للكرسي، قعد عليه وبدأ حرباية الكلام وهو بينفخ سيجارته في وش حامد:
ـ هم كده رجالة، ” سميح”، اقصد “حماصة”.. بيكرهوني زي الكلب اللي مشغلهم، سيبك منهم، هيضربوا في بعض شوية واول ما الكهربا ترجع هيتهدوا ويخرسوا.
هز راسه شمال ويمين وهو بيحرك صباعه وكمل كلامه:
ـ لكن حكومة واللي انت كنت ناوي تعمله، ما يكولش مع الناس دي، الخلاصة يابا كل حاجة متشافة ومعروفة، بس اهو.. شوية شمامين على سرسجية يخلصوا على بعض عشان المجتمع ينضف.
مالحقش حامد يرد على كلامه، وده لما قام “حرباية” وراح ناحية الباب وخرج منه بكل هدوء، بس بدل ما ينزل للحارة طلع لسطح البيت، جري “حامد” بسرعة ناحية الباب وقفله، وبقفلته الكهربا رجعت.. الصمت حل في المكان، سواء جوه الشقة او حتى براها، كأنه كان في حلم وصحي منه.
عدا اللي اتبقى من الليل على حامد وهو نايم مكانه لحد ما فاق الصبح وحاول يستوعب كل حاجة حواليه، قام ووضب المكان وظبط نفسه عشان الدنيا تمشي، وطبعا باقي النهار خلص ما بين اللي بيعمله وبين انتظار دخول اي حد يوكله في قضية، لحد الساعة المعتادة اليومية بتاعت قطع الكهربا، وقتها اتكرر نفس اللي حصل في اليوم اللي قبله، خرج للبلكونه وفضل يتابع بشغف الجديد واللي هيحصل، نصبة المخدرات شغالة والشباب بيتصارعوا على الشرا كأنهم بيتنافسوا في جمعية بتبيع لحمة وتموين.
لكن وهو واقف سمع صوت خطوات وراه، اللي جه في باله وقتها انه نفس الراجل اللي جه امبارح، بس هو قافل الباب.. لف بهدوء وراه عشان يلمح وسط الضلمة حد بيجري في الصالة، بس المرة دي كان حد قصير، طوله وحجمه مش بطول ولا حجم الراجل العادي، وده معناه ان اللي بيجري ده يبقى طفل.. مشي ناحية الخيال اللي كان مستمر في جريه، بس فجأة لقاه ثبت مكانه.. راح ناحيته، بس وهو رايح اتخبطت رجله في حاجة واقعة على الارض، وجه الكشاف ناحيتها، لكن مفاجئة اللي شافه صعقته، كان في جثة طفل مرميه على الارض ودمها مغرق المكان، رجع لورا بسرعة ناحية الباب وفتحه، نزل على السلم ومنه على الحارة لدكان الحج “عبدالسلام”، وقف جنبه وهو بيترعش من غيى ما ينطق، وقتها اتكلم “عبد السلام” وسأله:
ـ مالك يا ابني.. عاوز حاجة؟
“حامد” ماكنش معاه ولا سامعه، ده كان كان رافع وشه لفوق ومثبت عينه ناحية بلكونة الشقة، كرر الراجل كلامه، وقتها لف “حامد” وشه قال وهو بيتهته:
ـ ها، لا لا يا حج، مش عاوز حاجة.
ـ اومال مالك وشك مخطوف كده ليه؟.. في حد طلعلك، صارحني؟
ـ حد زي مين؟
ارتبك الراجل وجاوبه:
ـ اقصد من الواغش بتوع الحارة، الله يرحمه “دكرور”، كان لاممهم واتفرعنوا بعد اللي جرا.
مافهمش “حامد” المقصود من الكلام، بس “عبدالسلام” مادهوش فرصه وقاله:
ـ اطلع ياابني الشقة واقفل عليك بابك.
نفس التحذير بيتكرر، كان نفسه يقوله ان الباب المقفول مابيمنعش انه يشوف حاجات غريبة، بس اضطر انه يسكت ومايحكيش، خوف بقى، او قلق، ايا كان السبب، المهم انه سكت.. بعدها هز راسه ورجع البيت، كانت الكهربا لسه ما رجعتش.. الاول خاف لا يدخل، بس شجع نفسه بأن اللي شافه اكيد تخيلات من الخوف، فتح باب الشقة بتوتر.. بس اللي شافه ثبته مكانه، الشقة كانت مختلفة، كأنها مش هي.. الكهربا جواها شغاله برغم ان بره في العمارة ضلمة.. انما الاختلاف ماكنش بس في الكهربا او الشكل العام لمحتويات الشقة، ده كان في شكل الحيطان اللي متغرقه بالدم!!
حيطان الصالة كان عليها قطرات وخيوط دم مرشوشة بعشوائية، كان عقله مصدوم لدرجة الشك انه دخل شقة غلط، بس كان الحل الوحيد انه يدخل ويفهم، دخل الشقة وهو بيبص حواليه بارتباك عشان يتفاجئ بوجود نفس جثة الطفل المدبوح من رقبته، وبالقرب منه جثة لراجل نايم على وشه وماسك في ايده سكينة غرقانه دم.. ده غير جثة تانية لراجل مبرق للسقف.
كده الامور وضحت قصاده، الشقة حصل فيها جريمة قتل في اللحظات اللي خرج فيها بره الشقة، سلم رجله لعتبات السلالم ونزل يجري بأقصى سرعة، كان هيقع، لكنه خسك نفسه وراح ناحية منقذه الوحيد في المكان الصعب ده، الحج “عبدالسلام”، وقف قصاده وقاله وهو بينهج:
ـ الحقني يا حج، في ناس مقتولة فوق وسايحين في دمهم.
شاورله الراجل بحزم:
ـ اشششش، وطي صوتك لاتحصلهم انت كمان.
رد عليه بنفس حزمه:
ـ انا مش هوطي صوتي، انا هخرج دلوقتي من القرف ده على قسم الشرطة وابلغ عن اللي شوفته وعن اللي بيحصل.
ـ لا، مش هينوبك الا البهدلة وقلة القيمة، واخرك حاجتين مالهمش تالت، يا هيخلصوا عليك، يا هتخش السراية الصفرا.
ـ السراية الصفرا!!.. وده ليه بقى ان شاء الله؟
لسه هيرد عليه “عبدالسلام”، الكهربا رجعت، وقتها المولد اتفض وسكان الحارة رجعوا يمارسوا امورهم المعتادة، في اللحظة دي كان بيستعد “حامد” انه ينفذ قراره، بس قبل ما يتحرك من مكانه، وقفه “عبدالسلام” وقاله:
ـ استنى بس يا ابني.. رايح فين؟
ـ رايح اغير هدومي واعمل اللي قولتلك عليه.
رد الراجل وهو بيشاورله ناحية كرسي:
ـ هات بس الكرسي ده وتعالى، عاوز اقولك كلمتين بعدهم فكر وقرر براحتك.
الاول اتردد “حامد” انه يقعد ويسمع، بس فضوله مع اصراره وكمان احترامًا للراجل الكبير، جاب الكرسي وحطه قصاده وقعد، بعدها بدأ “عبدالسلام” الكلام:
ـ نصبة الافيون والبرشام والقرف اللي انتي شوفته ده، ماتبنتش بين يوم وليلة، ده من سنين كان بيديرها “دكرور” اللي الحارة على اسمه، وكان معاه اتنين بلطجية، واحد ابن اخته، وده يبقى “سميح شابو او حماصة”.. والتاني شريكه وكان اسمه “فتحي حرباية”.
قطع كلامه “حامد” بحماس:
ـ ايوه ايوه “حرباية” ده دخل شقتي وشوفته.
رد عليه “عبدالسلام”:
ـ اصبر بس لما تسمع باقي الحكاية، المهم.. نصبة القرف ده فضلت شغالة وبيجيها الشباب التايهة من كل الحارات اللي حوالينا، لو مافيش ضلمة هم يضلموها، ولو مافيش مشتري هم ناصحيين وبيسحبوهم، تحت نظر الكل، سكان وحكومة.. يعني الناس كانوا ماشيين على مبدأ “اللهم اضرب الظالمين بالظالمين”، مع ان كان فيه ناس وسطهم مظلومين ظلم بين وواضح لأي حد، بس كل واحد بيختار طريقه ويتحمل نتايج اختياره… فضلت الحكاية ماشية على الحال ده لحد ما في يوم ذاع بين سكان الحارة خبر، وقف شاب من شباب النصبة ومن رجالة “حرباية” وقال بعلو حسه:
ـ يا سكان حارة “دكرور” اللي حاضر يعلم الغايب، الكل من اصغرها لمكبرها معزوم على فرح الريس “حرباية”، بكرة بالمشيئة.
الناس استغربت، والسؤال اللي كان بيدور او السؤالين، فرح ايه اللي بين يوم وليلة ده؟.. ومين اللي وقعها حظها في “حرباية”، بس لما الجواب على الاسئلة اتعرف، الالسنة خرست والحكاية اتفضت.. الناس عرفوا ان العروسة “سناء”، او زي ما كان بيتقالها “نوسة”.. “نوسة” دي تبقى البنت الوحيدة للمعلم “دكرور”، يعني الشراكة في تجارة المخدرات كملت بالنسب، واتجوز “حرباية نوسة”، بس عارف كانوا ساكنين فين؟
هز “حامد” راسه بالنفي عشان “عبدالسلام” يكمل، وكمل فعلا بس وهو بيبص لفوق:
ـ كانوا ساكنين في الشقة اللي انت قاعد فيها دي.
ارتبك “حامد” وحس ان الدنيا من حواليه ثبتت، الاصوات سكتت بأستثناء صوت “عبدالسلام” اللي كان بيقول:
ـ بعد جوازهم بسنة وشوية، حال “حرباية” اتبدل، وده بعد ما ااتجه للشم وضرب الحقن، ما هو كان تاجر يبيع بس ما يجربش، لكن طباخ السم مسيره يدوقه، ومن بعد ما داقه اتقلب حاله، ومش بس حاله، ده اتقلب كمان على “نوسة”، كل يوم والتاني نسمع صوتها وهي بتصرخ وهو نازل فيها ضرب وتلطيش، ولما يجروا الناس على ابوها عشان ينجدها، كان في كل مرة رده واحد..”دي مراته وهو حر.. يتصرف معاها زي ما هو عايز”… واستمر الحال حتى بعد ما خلفت منه ابنه، وحتى بعد ما الواد وصل لاربع سنين ويمكن اكتر، انما في يوم، بعد ما اتفضت النصبة، كانت الساعة عدت نص الليل، كان في كام عيل من بتوع اخر الليل قاعدين، وقتها رن في الحارة صوت صراخ “نوسة”.. فتحوا اهل الحارة شبابيكهم وكالعادة كانوا بيتفرجوا مش اكتر، بس المرة دي الحكاية اختلفت، وده بسبب “نوسة” اللي خرجت بره العمارة، كانت بتجري ناحية العيال اللي قاعدين وبتقولهم:
ـ الحقوني ياناس وانجدوا ابني، الراجل العايب بتاع النسوان عاوز يعتدي عليا وهيدبح ابنه.
الناس خافت من كلامها، بس ماحدش نجدها، على اساس ان اللي بيحصل متعودين عليه يعني، ولما لقت ان ماحدش مديها اهتمام، رمت قنبلة جديده لما زعقت وقالت:
ـ “حرباية” مشي مع نسوان بطالة وجاله “الايدز”.. انا عاوزه حد يلحق ابني وماحدش يقرب منه.
افتكر “حامد” في اللحظة دي انه قعد معاه، وشه اتخطف وفضل يحسس على جسمه ونفسه بخوف، وقتها فهم “عبدالسلام” اللي دار في عقله، فابتسم وهو بيهز راسه وقاله:
ـ اهدى يا ابني وخد الحكاية لاخرها، المهم فضلت “نوسة” تصرخ وهي بتجري ناحية اللي واقفين، كانت ترفع وشها للي واقفين في البلكونات وتستنجد بيهم، بس ماحدش عبرها، لدرجة ان اللي كانوا في الشارع جريوا منها وبعدوا عنها، بس هي كل اللي على لسانها:
ـ انجدوني، ما تسيبوش ابني يموت، اشهدوا معايا عند الحكومة عشان ياخدوا “حرباية”.
بس ولا حياة لمن تنادي، والست بعد ما غلبت من اللي بيتفرجوا عليها وساكتين، شدت طرف عبايتها ورجلها كانت حافية وجريت ناحية توكتوك الواد “سفيره”، فضلت تخبط عليه بعد ما ركبته عشان الواد يطلع بيها، اضطر الواد يشغل التوكتوك ويخرج بيها بره الحارة، ومنها على اقرب قسم شرطة.
ماعداش نص ساعة وكانت راجعه الحارة ومعاها امين شرطة، وقف الامين وفضل يسأل اللي واقفين على اللي حصل فحكوله، بعدها خدها ودخل العمارة وطلعوا الشقة اللي ماكنش خارج منها صوت، ومع وقوفهم على بابها، سألها:
ـ فين مفتاح الشقة؟
ردت وقالتله:
ـ نسيت اخده.. انا كنت نازله اجري.
خبطتين من كتف الامين وواحد معاه، الباب اتفتح، ومع فتحته اتفاجئوا بجثة الواد الصغير ابن “نوسة” مدبوح، وجنب منه جثة”حرباية” واقع على وشه وفي ايده السكينة.
“حامد” بلع ريقه بالعافيه وملامحه اتخطفت ورد وهو بيتهته:
ـ يعني “حرحر حرباية” ده ميت ولا عايش؟
ـ اتحرق ماطرح ماراح، مات وشبع موت.
ـ اومال مين اللي شوفته فوق ده؟
ـ احسبها زي ما تحسبها يا ابني.. بس الحكاية ماانتهتش لحد هنا، بعد ما اكتشفوا جريمة قتل “حرباية” لابنه وبعدها قتله لنفسه، الحكومة والمباحث وبتوع الطب الشرعي ملوا الحارة، لدرجة ان الناس ماكانتش قادرة تخرج من بيوتها بسبب عددهم وضيق الحارة.. اما نوسة، ففضلت تصرخ جنب جثة ابنها وتلطم:
ـ منكوا لله، قولتلكم الحقوا ابني، اهو قتله وحرمني منه.
وبعد وقت، اثبتوا بتوع الطب الشرعي ان الواد مات قبله بدقايق وبعده قتل نفسه، وده تحت تأثير جرعة كبيرة من المخدرات كانت في دمه، والاغرب بقى انهم لقوا على سريره حبال متعلقة، ولما سألوا “نوسه” عنها، ردت عليهم وهي بتعيط:
ـ منه لله “حرباية” كان رابطني وعاوز يعتدي عليا.
ولما سألها وكيل النيابة عن السبب قالتله:
ـ انا من قبل ما اخلف ابني، “حرباية” كان بيتعاطى، وبعد ما خلفته رجله عرفت طريق النسوان الشمال، ما خلاش واحده غير لما عط معاها، وكان اوقات بيجيبهم البيت قصاد كل اهل الحارة، واللي ينكر منهم احط صوابعي في عينه، بس لا انا ولا حد منهم كان يقدر يفتح بوقه، حتى انا، طب وانا سكتت ليه، عشان شراكة شغله مع ابويا، بس هم كانوا بيخافوا منه ومن رجالته، وعشان كده الكل سكت لحد ما تعب وحرارته عليت، ولما راح كشف وعمل تحاليل عرف انه انصاب “بالايدز”، وطبعا يومها جه البيت وفضل يضرب فيا ويقولي :
ـ انتي اللي جيبتيلي المرض ده يا بنت الكلب، وربي وما اعبد لو ما روحتي حللتي لاخلص عليكي.
“جرجرني من هدومي قصاد الناس ورماني جوه توكتوك، روحنا على اقرب معمل تحليل بس النتيجة طلعت سليمة وطلعت ماعنديش حاجة.. من وقتها ومنعت نفسي عنه، فكان بيعتدي عليا بالضرب كل شويه وبرضه اهل الحارة يشهدوا بده، واقربها اخر مرة، لحد ربطني وضربني، بس انا صرخت فيه وقولتله:
“والله لافضحك قصاد الحارة واعرفهم بمرضك، وكمان هعرفهم انك وسخ على وساختك”.
هددني انه يقتل ابني لو نطقت، ففكني عشان عارف انه هسكت واخاف على الواد، استنيت لما قعد يشم القرف اللي بيشمه ونزلت اجري بره العمارة واستنجد بالناس، بس ماحدش لحقه وقتله، منه لله، يتعذب في نار جهنم قادر ياكريم.
وبعد ايام اتدفن “حرباية وابنه” واتقفلت حكاية “حرباية ورجالته من بعد موته، ومن بعد رقدة “دكرور” حالهم اتشتت، وقتها الناس فكرت ان مواله خلص، بس اللي حصل ماكنش يخطر على بال حد.. بعد ماعدا اربعين يوم على موته، رجعت “نوسه” الشقة اللي كانت اتقفلت بعد ما اتنضفت من اثار الجريمة، السواد والحزن كانوا كاسيين جسمها وملامحها، لكن في نفس يوم رجوعها وفي نص الليل، صحيوا الناس على صوت صراخها من بلكونة شقتها، كانت لابسة عدم اللامؤاخذة قميص كاشف جسمها اكتر ما هو ساتره، صدرها وايدها كانوا غرقانين دم وكانت بتصرخ:
ـ “حرباية” قتله، الحقوني “حرباية”، مش هيسيبني في حالي.
رجالة “حرباية” او اللي كان سهران منهم جريوا ودخلوا العمارة، كانوا مستغربين من كلامها، “حرباية” مين.. اللي دفنوه بأيدهم من ايام؟.. بس لما دخلوا الشقة لقوها واقعة على الارض وجنبها جثة.
قطع “حامد” كلامه باندهاش:
ـ جثة تانية؟
رد “عبدالسلام” وقاله:
ـ تقصد تالتة، دي كانت جثة “حماصة” ابن عمتها، لقوه مدبوح بنفس الطريقة اللي مات بيها ابنها وجوزها، وقفوا الرجالة وهم مش فاهمين اللي بيحصل، وكان انضم ليهم كام واحد من رجالة “حماصة”، وقفوا يبصوا لبعض ويرموا على بعض التهم على اساس ان في حد ما بينهم متهم بقتله، لحد ما صرخت “نوسه” وهي بتبص ناحية اتجاه معين وقالت:
“حرباية مش هيسيبني، حرباية هيقتلني زي ما قتل “حماصة”.
سكتت شوية بعد ما هداها واحد من الرجالة اللي واقفين، وبعد سكوتها رجعت كملت وقالت:
ـ ابويا هو السبب.. هو اللي غصبني اتجوزه عشان شغله.
بعد اللي قالته اتكشف المستور والحقيقة كلها، “نوسة” كانت عاوزة ابن عمتها بس ابوها رفض، ومع قلبان حال “حرباية” وضربه ليها، قلبها رق للكلمتين الحلوين والصدر الحنين اللي فتحولها “حماصة”.. وحصل بينهم في غفلة اللي بيحصل وقت حضور الشيطان، واستمرت بينهم العلاقة لحد ما كشفها “حرباية” في اليوم المشئوم، نزل فيها ضرب، بس “حماصة” كان جتة، طول بعرض، يغلب عشرة من حرباية، واليوم ده كان “حرباية” شارب وواخد مخدرات لما عميان، يعني ضربة واحده من “حماصة” كومته على الارض.
ومن بعد ما عمل عملته قال لنوسة:
” انا هخلص عليه وع الواد ده”
على كلامها رفضت انه يقتل ابنها، بس هو قالها:
ـ الواد مش صغير وشاف كل حاجة وممكن يفضحنا، اطلعي للحارة واقلبي الدنيا بأن “حرباية” هيقتل ابنه، وعرفي الناس ان عنده “الايدز” فهيخافوا يطلعوا فوق، وقتها هكون خلصت كل حاجة وهنط من على سطوح العمارة لبيت “متولي”.. وبعد ما انط هنزل منه لما الدنيا تهيص ونخلص من القصة دي على اخرها.
سمعت “نوسه” كلامه وضحت بأبنها قصاد انها تخلص من “حرباية”، وحصل بعد كده اللي حكتهولك، لحد ما حصل اللي حصل وصرخت بأن “حرباية” كان في الشقة وقتل “حماصة”، مع ان السكينة اللي اتقتل بيها كانت عليه بصمات ايدها.. فضلت تهاتي وتخرف لحد ما حولتها الشرطة على سراية المجانين، ومن بعد اللي حصل وكشف حوار قتل “حماصة” لحرباية، وبراءته من دم ابنه.. كل يوم رجالتهم بقوا ينزلوا ضرب في بعض، بس كانت الغلبة لرجالة”حماصة والواد عاطف”، حطوا ايدهم على نصبة بيع المخدرات وسوحوا رجالة “حرباية”، وزي ما انت شايف، الحال هو هو.. مات “حرباية وحماصة” بس سابوا وراهم 100 غيرهم، ما يختلفوش عنهم.
بعد ما خلص عبد السلام، اتكلم “حامد” وقاله:
ـ وانت ايه اللي مقعدك هنا يا حج؟
ابتسم وقاله:
ـ عمري كله قضيته هنا، زي باقي اهل حارة “دكرور”، هنمشي منها ونروح فين بس، اهو.. ادينا عايشين.. وزي ما بيقولوا، اصبر على الجار السو، يا يرحل يا تجيله مصيبة تاخده، بالظبط زي ما خدت اللي قبله.
رد حامد وهو بياخد نفس عميق:
ـ بس انا لا من اهل الحارة ولا هستنى يوم كمان.
بعد كده فضل حامد قاعد مكانه لحد ما النهار بدأ يظهر نوره، ومع طلوع الشمس قام وطلع الشقة، لم حاجته اللي ماخرجهاش اصلا من شنطته وخرج بره الحارة في غفلة ونوم رجالة نصبة المخدرات، وبعد خروجه شاور لاي عربيه عشان يخرج بيها من المنطقة كلها، وبعدها خدت تاكسي لمبنى مجموعة “رزق الله” المحامي، وهناك فهم نظرات زمايله وتريقتهم عليه وفهم انهم استغلوا سذاجته ورموه بين ناس مابترحمش، دخل مكتب الموظف الاداري وقدم استقالته بدون مايفسر سببها، لكن السبب هم عارفينه كويس.
ومن بعد ما عمل كده خرج بره المجموعة ومنها لمحطة القطر، خد اول قطر راجع لبلده.. ركب وهو بيقول لنفسه.. “عدم الرضا بالحال بيجلب التعب وشقا النفس.. ابو أم دكرور للحارة لحرباية.. كان مالي انا ومال الهم ده، ما انا كنت شغال في بلدنا، ايه اللي خلاني اتبطر واروح المدعوقة دي عشان اشوف راجل ميت واتكلم معاه”.. ووهو بيكلم نفسه سرح وعينه غفلت، وبعد شوية من نوم غير مقصود، فتح عينه على ايد بتخبطه في كتفه، بص جنبه واتفزع لما لقى حرباية وهو مدبوح بيبتسم وبيقوله.. “ايه ياسي الأستاذ.. فاكرني هسيبك؟!.. انا وراك وراك حتى لو رجعت لبطن امك.. مش بلدكوا بقى.. ايه.. هو دخل الحمام زي خروجه.. ولا انت فاكر انك هتخرج بالساهل منها.. ارجعلها.. ارجع لحارة دكرور”.. فضل يصرخ ويقول مش هرجع مش هرجع.. ولحد النهاردة، حامد المحامي الجامد.. بقى مجذوب.. مجذوب وماشي بين الخلق يزعق ويصرخ بعلو صوته.. سيبني ياحرباية.. سيبني.. مش هرجع.. مش هرجع لجهنم تاني.. مش هرجع لنار حارة دكرور!
“تمت”..
محمد_شعبان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى